المصراويه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المصراويه

إسلاميات.المواقع الرياضيه.أفلام.الصحف اليوميه. وظائف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هل كان المتنبي متدينًا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
romero
Admin



المساهمات : 72
تاريخ التسجيل : 21/04/2011

هل كان المتنبي متدينًا  Empty
مُساهمةموضوع: هل كان المتنبي متدينًا    هل كان المتنبي متدينًا  Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 26, 2011 1:37 pm


هل كان المتنبي متدينًا
ضعف العاطفة الدينية عند أبي الطيب
بقلم الأستاذ: علي أدهم


أبو الطيب المتنبي أقوى شعراء العربية نبضات قلب، وأبعدهم منزع فكر، وأعمقهم حكمة ومن أصدقهم إفصاحًا عن خفايا النفس، وأعرفهم بأسرارها. فلا عجب إن كان بعد ذلك أبعدهم شهرة وأخلدهم أثرًا. ولست أعرف شاعرًا من شعراء العرب حظي من إعجاب الخاصة والعامة بمثل ما حظي به المتنبي. وبرغم الزمن الطويل الذي مر على وفاته، وتغير الأحوال وتبدل المعايير الأدبية، وتباين أساليب الفهم واختلاف الذوق فإن شهرته لم تخمد ولا يزال اسمه سائرًا على الألسنة وشعره مضرب الأمثال ومستودعًا من مستودعات الحكمة.
والمتنبي أنموذج صالح لتمثيل خصائص الشعر العربي. ولا نزاع في أن شاعرًا واحدًا بالغًا ما بلغ من القدرة والافتنان لا يكفي لتمثيل عبقرية شعب في ظلالها المختلفة وشياتها المتلونة. وقد لا يكفي انقطاع شاعر ممتاز لتمثيل جانب اللهو والمجون أو جانب الزهد والورع أو جانب القوة والأمل أو جانب اليأس والألم. وأرجح أن المتنبي أقرب شعراء العربية إلى التمثيل العام لعبقرية الشعر العربي.ولذلك انعقد عليه الإجماع وعمرت بذكره المجالس وحفلت بأخباره السير وبقي شعره على الزمن.
والمتنبي لا يستثير إعجابنا ولا يهفو بألبابنا من ناحية إثارة الخيال واستفزاز العاطفة وحدها وإنما لأنه يقدم لنا مادة ثمينة للتفكير والتأمل ويعرض علينا نظرات في الحياة صائبة وخواطر عن الإنسان جديرة بالنظر والاعتبار. وواضح أن أسلوب المتنبي الذي يغلب عليه تحري الضخامة والقوة لا يصلح للتعبير عن المشاعر الرقيقة وهمسات الروح الداخلية وضروب الجمال الخفي وألوانه الصامتة ونغماته الخافتة. ولكنه يطيل التفكير في الحياة ويستخلص الحكمة من التجارب ويعطيك في شعره عصارة صالحة ليس فيها حلاوة ولا نداوة وليس لها موسيقية صافية النغم عذبة الرنين، فكل كلمة عليها طابع القوة وسمة العنف. وهو لا يداني البحتري في جمال فنه ولطافة تصوره ولا يبز أبا تمام في أستاذية الصياغة وفحولة الصنعة ولا يتدفق تدفق المعري، ولا يثب وثبات الشريف. ولكن عقله المكين كالثغر الكبير المتسع تحمل إليه السفائن حمولات الأفكار من شتى النواحي وهو يستطيع أن يهضمها ويطبعها بطابعه.
وعندما قال الناقد الإنجليزي المشهور "ماتيو أرنولد": "إن الشعر هو نقد الحياة وأحسن الشعر هو الذي يقدم لنا أكمل تفسير للحياة الإنسانية" أثار عليه ذلك زوبعة من النقد. ولكني أرى أن الشعر لكي يكون من الطراز الأسمى، لا يكفي أن يرفه عن النفس أو أن يكون حافلا بالموسيقية مترعًا بالأخيلة، بل يلزم أن يعيننا على تفسير بعض مشكلاتنا الإنسانية ومسائلنا الأخلاقية: ولست أقصد بالأخلاق هنا المعنى الضيق المحدود، وإنما أقصد بها قوة الشعر على أن يرتفع بنا فوق سفاسف الحياة وصغائرها، ويمتاز في هذه الصفة المتنبي وأبو العلاء فهما ملكان يسيطر كل منهما على عالم شاسع من عوالم الروح، وكلاهما منفرد حزين في النهاية ولكن الأول محارب مطبوع على المناجزة

تعود أن يغبر في السرايا
ويدخل من قتام في قتام
أما الثاني فيائس مستسلم. والمتنبي أقرب إلى مزاج الرجل السليم. ونظرته في الحياة أساسها الخبرة، بريئة من ثرثرة العلماء المكبين على كتبهم، ومنزهة عن أوهام رجال الفكر البعيدين عن ميادين العمل. وحياته أشبه برواية لها مواقفها المشهورة. وقد تكفل ديوانه بوصف أحوالها المتقلبة، وأطوارها المتتابعة، من نشأته الغامضة، وما منى به من الفشل الحاطم في مستهل أمره، ثم اتصاله بسيف الدولة وانصرافه عنه إلى مصر، وقفوله منها مغاضبا لكافور، إلى مصرعه الأخير.
ولكن هناك جانبًا هاما من جوانب الحياة العربية أهمل المتنبي التعبير عنه والإلمام به. ولم يكن له فيه موهبة تذكر وهو الجانب الديني في الحياة العربية. ولو فني الشعر العربي أجمعه ولم يبق سوى ديوان المتنبي لما استطعنا أن نعلم منها شيئًا يؤبه له عن العاطفة الدينية عند العرب. ولا نكران في أن أكثر شعراء العرب لم يعنوا بإثبات خواطرهم الدينية إلا في الندرة والفرط، ووقفوا من الدين موقفا محايدًا. ولكن الذي يسترعي النظر في شعر المتنبي، أن فيه إشارات كثيرة تختلف وضوحًا وخفاء تنم على وهن العقيدة وضعف الإيمان وغلبة الآداب الجاهلية في نفسه على الآداب الإسلامية. وقد لمح ذلك القدماء من النقاد فأشار إليه الجرجاني في الوساطة والثعالبي في اليتيمة وتناوله من الكتاب المحدثين الأستاذ العقاد والأستاذ شفيق جبري والأستاذ محمد كمال حلمي. ومن عجيب الاتفاق أن هذه الصفة يشترك فيها المتنبي مع شكسبير.. وقد كانت العاطفة الدينية عند المتنبي ضعيفة في جميع أدوار حياته. ففي ريق شبابه واكتمال قوته قال:
أي محل أرتقي
أي عظيم أتقي
وكل ما قد خلق اللـ ـه وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
وفي هذه الأبيات يمتزج الطموح المتطرف وفرط الثقة بالنفس باحتقار الخليقة بأسرها وهي تروى عن شعور رجل أجال بصره فلم ير شيئًا جدير بإجلاله خليقًا بآماله وطمحات نفسه وفي مدحه لبدربن عمار يقول:
تتقاصر الأفهام عن إدراكه
مثل الذي الأفلاك فيه والدنى
وهو هنا يرتفع بممدوحه إلى مرتبة الألوهية ولو كان لها مكانة من نفسه لما هبط بها هذا الهبوط ويقول فيه أيضًا:
لو كان علمك بالإله مقسما
في الناس ما بعث الإله رسولا
لو كان لفظك فيهم ما أنزل الـ فرقان والتوراة والإنجيلا
وفيه فضلا عن المبالغة اقتحام للكتب المقدسة في مجال كان يجمل به أن ينزهها عنه ويقول في الغزل:
يترشفن من فمي رشفات
هن فيه حلاوة التوحيد
ولا يتورع عن تشبيه نفسه بالأنبياء في قوله:
ما مقامي بأرض نخلة إلا
كمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمة تداركها اللـ ـه غريب كصالح في ثمود
ويتناول معجزات الأنبياء بالتهوين والانتقاص فيقول:
لو كان صادف رأس عازر سيفه
في يوم معركة لأعيا عيسى
أو كان لج البحر مثل يمينه ما انشق حتى جاز فيه موسى
وفي مدحه لأحد العلويين لا يستكثر أن يقول:
وأبهر آيات التهامي أنه
أبوك واجدي ما لكم من مناسب
ويخاطر في مدحه لسيف الدولة بمثل هذا القسم:
إن كان مثلك كان أو هو كائن
فبرئت حينئذ من الإسلام
وفي مدحه لابن العميد - وكان في نظر المتنبي "فلسفيا رأيه فارسية أعياده" - يقول:
لنا مذهب العباد في ترك غيره
وإتيانه نبغي الرغائب بالزهد
رجونا الذي يرجون في كل جنة بأرجان حتى ما يئسنا من الخلد
فأصحاب العقيدة في رأيه هم العباد وهو يختلف عنهم بطبيعة الحال ولا يشبههم إلا في قصده لابن العميد كما يقصدون هم الجنة، وهي مشابهة لا تقر بها عين الدين. وقد سخر من آدم سخرية رقيقة مستساغة على خلاف عادته في التهكم المر والسخرية القارصة وأجراها على لسان حصانه:
يقول بشعب بوان حصاني
أعن هذا يسار إلى الطعان
أبوكم آدم سن المعاصي وعلمكم مفارقة الجنان
وفي القصيدة التي نظمها بعد شفائه من الحمى بمصر يقول:
تمتع من رقاد أو سهاد
ولا تأمل كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى سوى معنى انتباهك والمنام
ويقف من مسألة خلود الروح موقف الشك. وهي ركن من أقوى أركان العقيدة الدينية:
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة وقيل تشرك جسم المرء في العطب
ومن تفكر في الدنيا ومهجته أقامه الفكر بين العجز والتعب
ولم يكن له من وثاقة الإيمان ومتانة العقيدة ما يمكنه من الاطمئنان إلى رأي، والقطع بأحد المذهبين. على أنه قد صرح بالرأي المادي تصريحا لا يحتمل تأويلا ولا تمحلا في قوله:
تبخل أيدينا بأرواحنا
على زمان هن من كسبه
فهذه الأرواح من جوه وهذه الأجساد من تربه
ومن شك في الخلود فليس عجيبا أن تطالعه صور الفناء من كل ناحية. وفكرة الفناء ماثلة على الدوام له فهو يكثر من ترديدها كقوله:
أبني أبينا نحن أهل منازل
أبدا غراب البين فيها ينعق
ولهذه الفكرة نتيجتان مختلفتان: فهي قد تغري الإنسان بالزهادة واطراح اللذة، وقد تسوقه على العكس إلى الانغماس في الملذات حتى يستوفي نصيبه من المتعة، لأنه ما دامت الحياة فانية فلماذا لا نأخذ قسطنا من اللذة؟ وعلى أي أساس نقيم قواعد الأخلاق؟ وفي ظل هذه الفكرة قال المتنبي:
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فمفترق جاران دارهما العمر
وقال:
أنعم ولذ فللأمور أواخر
أبدًا إذا كانت لهن أوائل
وفي سبيل تحقيق أطماعه وبلوغ مآربه لا يرى بأسًا في أن يستعين بقوله:
شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة
ويستبيح دم الحجاج في الحرم
وفي هجائه لكافور يقول:
إلا فتى يورد الهندي هامته
كيما تزول شكوك الناس والتهم
فإنه حجة يؤذي القلوب بها من دينه الدهر والتعطيل والقدم
ومعروف عن المتنبي أنه لم يكن يصلي ولا يصوم ولا يقرأ القرآن. ومن كان لا يرى في الوجود شيئًا مقدسًا فليس عجيبًا أن يسيء الظن بالدهر والناس ويغالي في ذم الدنيا فهي في نظره أخون من مومس وأخدع من كفة الحابل. أما أهل عصره فهم في رأيه كما وصفهم:
أذم إلى هذا الزمان أهيله
فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد
وأكرمهم كلب وأبصرهم عم وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد
وهو لا يؤمن بالصداقة فليس للإنسان صديق سوى نفسه

صديقك أنت لا من قلت خلي
وإن كثر التجمل والكلام
وقد وردت في مدائحه لسيف الدولة بعض إشارات إلى الدين تقليدية اقتضاها سياق الكلام ولكنها ليست من فيض القلب ولا من نتاج العقيدة مثل قوله:
ولست مليكا هازمًا لنظيره
ولكنه التوحيد للشرك هازم
ولقد كان عصر المتنبي عصر شك واضطراب استحر فيه النزاع بين الطوائف والمذاهب وضعفت فيه العقيدة وساور الشك النفوس وطغى على العقائد. ولكني أرى أن ضعف عقيدة المتنبي يرجع في الأكثر إلى مزاجه وشخصيته. فقد كان بطبيعته رجلا واقعيًا مسرفا في واقعيته لا يعرف مداعبة الأحلام ولا التعلل بالآمال ولا تحلق أوهامه في السحاب ولا تترامى أفكاره إلى عالم مجهول وراء الزمان والمكان ولا يجري فكره وراء الألفاظ البراقة والصور الخلابة بل يحب أن يستمسك بالأرض يوسعها سيرًا وتوثبًا وحفرًا وتنقيبًا. وليس له وراءها مطمع. وكان ينفذ إلى الأفكار الجليلة من خلال هذه الواقعية المحضة. وتلك سمة من سمات كبار الشعراء والفنانين فالفنان الصادق يصل إلى المثالي عن طريق دنيا الحواس لا عن طريق الصور المجردة. وعبقريته المصورة تجلو لنا الحقائق أنصع لونا وأشد في النفوس وقعًا وهذا هو السر في أن حكمة المتنبي المستقطرة من الحياة وتجاربها كالذهب النقي لا تذهب لمعته ولا يغيض رونقه.
وشخصية المتنبي بعيدة عن روح الدين. لأن الدين في أوسع معانيه هو الاعتقاد بقوة علوية فوقنا ولكنها تعمل من أجلنا. والرجل المتدين يلوذ بهذا الاعتقاد ويتقي به قوارع الخطوب وعواصف الحياة. وهو في نظره حقيقة الحقائق وسر الأسرار ومنبع الأمل ومبعث الأخلاق. ويرى في كل مظهر من مظاهر الكون آثارا له ظاهرة وشواهد عليه ناطقة. وقد كان أبو الطيب رجلا كثير الاعتداد بنفسه شديد الاعتماد عليها لا يعرف التواضع. وكان يحس أن فيه من قوة الأسر وصلابة المعجم ما يغنيه عن الاستناد إلى أية قوة أخرى خارجية. انظر مثلا إلى قوله:
إن نيوب الزمان تعرفني
أنا الذي طال عجمها عودي
وفي ما قارع الخطوب وما آنسني بالمصائب السود
والحياة في نظر المتنبي ليست معبدًا مقدسًا ولا صومعة ناسك وإنما هي مجال كفاح لا رحمة فيه ولا هدنة. وهو حكيم مجرب ولكنه ليس قديسًا. ولقد واجه شرور الحياة ومناكر العيش بلا أمل ولا يقين. وعرف ضعف الإنسان وجهالته وشقاءه ولكنه لم يستطع أن يعتصر هذه الظواهر المؤلمة ليخرج لنا ما فيها من الخير ولم يذهب بنا إلى ما وراءها من نظام ولم تستطع عبقريته أن تنير دواجي الظلام المخيم حول هذه المشكلات. ورغم توقد عاطفته وقوة نفسه لم يستطع أن يبعث فينا شيئًا من الثقة بالنفس الإنسانية والأمل في مصيرها. ففلسفته حزينة مكتئبة وحياته قلقة مضطربة وخاتمته مأساة تستثير الأسف وشخصيته تثير الإعجاب والاحترام أكثر مما تثير الحب والعطف. وخلوه من العاطفة الدينية لا يقدح في شاعريته لأنه لا يشترط أن يكون الفن مظهرًا للدين وإنما الفن والدين والأخلاق هي وسائل الوصول إلى عالم القيم الخالدة. وقد آثر المتنبي أن يسلك طريق الفن ولئن كان نصيبه من الدين قليلا فقد عظم نصيبه من الفن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elmasrawia.own0.com
 
هل كان المتنبي متدينًا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عصر المتنبي عصر اضطراب وفتن
» استهزاء المتنبي بسيف الدولة
» قال أبو الطيب المتنبي يعاتب سيف الدولة:
» المتنبي: لوحة خارجية بقلم د/مجاهد عبد المنعم مجاهد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المصراويه :: الفئه الثانيه :: ادب :: المتنبى-
انتقل الى: